
بقلم: عباس عزت
في أطراف الريف اليوغندي، حيث تمتد خيام اللجوء على مد البصر، وتنام الأحلام على تراب الانتظار، تنبض فكرة صغيرة بالحياة. هناك، في معسكر كرياندونقو، لاجئون لم يقفوا عند حدود الألم، بل شرعوا في غرس بذور الأمل بأيديهم، رغم كل ما فقدوه.
“الفكرة إنو نعمل مركز تدريب مهني في المعسكر…”
هكذا بدأ الشفيع التجاني محمد علي، لاجئ من شمال كردفان، حديثه حين كان يشرح فكرته البسيطة والعميقة في آن: تعليم اللاجئين مهارات تضمن لهم الكرامة والعمل والاعتراف.
الشفيع، الذي درس ميكانيكا السيارات في المعهد الكوري بالخرطوم، لم يكن يحمل معه حين لجأ إلى يوغندا في يوليو 2024 سوى ذاكرة مهنية مشبعة بالتجربة، وإيمان لا يتزعزع بأن “العمل هو مفتاح النجاة”.
ومثل كثير من الناجين من الحرب، لم يكن ينتظر معجزة من الخارج، بل بدأ من الداخل. من داخل المعسكر، ومن داخل الإنسان نفسه.
جمع من حوله عشرات الشباب الهائمين بين خيمةٍ ونداء إعاشة، وطرح عليهم سؤاله الجوهري: “ليه ما نصنع فرصة بدال ما ننتظرها؟”
وكانت الإجابة جماعية: فلنبدأ.
من الفكرة إلى الفعل
المشروع لم يكن مجرد مركز تقليدي لتدريب الشباب، بل رؤية متكاملة:
تدريب مهني حقيقي،
شهادات معترف بها من المفوضية،
شراكات ذكية مع منظمات دولية،
وورش تدريبة تستهدف النساء والشباب على حد سواء.
“تكلمت مع عدد من الشباب في المعسكر، لقينا في رغبة كبيرة يتعلموا حاجات زي النجارة، الحدادة، الخياطة، ومهارات الكمبيوتر.”
بهذه العفوية تحدث الشفيع عن تفاعل المجتمع اللاجئ مع المشروع، الذي أصبح اليوم نموذجًا في التحول من الاحتياج إلى الإنتاج.
الشهادة ليست ورقة، بل بوابة
يستعد المركز حاليًا لتخريج دفعته الأولى بعد أشهر من التدريب النظري والعملي. شهادات الخريجين معتمدة من مفوضية الأمم المتحدة، وتؤهلهم للعمل داخل أو خارج أوغندا. لكنها ليست مجرد ورقة، بل بوابة نحو الكرامة، نحو بداية جديدة.
الشفيع لا يخفي حماسه للمرحلة المقبلة، حيث يسعى لتوسيع نطاق التدريب ليشمل “المجموعات النسوية ومجموعات الشباب في الزراعة والإنتاج الحيواني، وكهرباء السيارات والنجارة.”
رسالة إلى العالم
من وسط مخيمات اللجوء، يوجه الشفيع نداءً واضحًا:
“الشباب السوداني في المعسكرات مش محتاج صدقة، محتاج فرصة. الدول التي تستقبل اللاجئين تبحث عن مؤهلين، مش عن عاطلين. دعونا نؤهل أبناءنا.”
ويختم كلماته برجاء إنساني للمجتمع الدولي:
“اللاجئون السودانيون يعانون في صمت. لا تجعلوهم مجرد أرقام في التقارير. افتحوا لهم أبواب الأمل.”