
مودة حمد
قبل اكثر من خمسة عشر عاما كان يجلس الفنان ابوعبيدة حسن داخل غرفه صغيرة غير مكتملة البناء دون ابواب وشبابيك واسمنت يغلق جحور الحشرات ،على سريره المهترئ بجانب آلة الربابة التي يعزف عليها في منطقة الاسكان بالثورة الحارة (76) بأمدرمان ، لازلت ازكر حينها تلك الدهشة التي تملكتني وانا اجري مع الفنان لقاء صحفي حول حياته اليومية البسيطة والتي كانت بعيدة كل البعد عما نسمعه عن حياة المشاهير ، كان وقتها يعاني من داء السكر وفقدان حاستي السمع والبصر ، تجلس بجانبه زوجته الوفية تسانده في مواجهة غدر الزمان واهمال زملاء المهنة له.
خمسة عشرة عام لازلت اتذكر حديثه الخجول ونبرة صوته الحزينة ومناداته للفنانين لدعم بعضهم البعض، وقبل ايام فقط تفيض روح فنان الطمبور الاول الى بارئها تاركا جرحا غائرا في الوسط الفني، ويقوم بتشييعه اربعة فنانين فقط في وقت يتلقى فيه زملاء مهنته اجورا اعلى من المتوقع لاجل تلويث سمعي لا اكثر. يقول احد الملازمين لابوعبيدة في ايامه الاخيرة: (كنا ننقل الفنان الى المستشفى لأجراء فحوصات وكنت اخجل حين اقول ان السفارة التركية هي من تتكفل بالعلاج) ، يضيف محمد الطيب: (اقسم بالله وانا خجلان ومنكسر فنان سوداني وقاعد جوة السودان بتعالجو السفارة التركية).
خمسة عشرة عام عندما لم يجد من يعينه في شراء دوائه وغذائه جلس ابوعبيدة في موقف مواصلات سوق صابرين يعزف بالربابة للمارة ليتصدقوا له بجنيهات ليشتري قطرة للعيون وكيس سلطة ومايفيض منه يشتري جوز بطاريات ليستمع الى الراديو. وهو الذي اثرى المكتبة السودانية الغنائية باغنيات (عقد الجواهر) ،(والله مارضيناها ليك) ،(الجنني) (المحبوب مخاصمني)، (الساقية) ،(يالنسيتنا ومازرتنا) ، واالكثير من اغانيه التي اطربتنا ولازال يرددها الفنانين ، يقول محمد الطيب (الكثير من الفنانيين استرزقوا من اغانيه لكنهم اليوم لا يتزكرون شئ من معاناته )، واضاف ( مات عيان وجيعان والفنانين والفنانات يلمون القروش من تحت اقدامهم مثل وسخ البيوت ).
اشتهر ابوعبيدة حسن خلال حقبة الفنان محمد وردي وابوعركي البخيت وتميز منذ قدومه من الولاية الشمالية الى الخرطوم بأغاني الطمبورالشهيرة داخل مكتبة اذاعة امدرمان .